کد مطلب:309775 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:285

القسمت 12


أشرق یوم الجمعة و التاریخ یشیر إلی السابع عشر من شهر رمضان. عسكرت قوات قریش، فی ثنایا التلال القریبة من وادی بدر، وبدا أبوجهل أفعی رقطاء تتلمظ. هتف ساخراً و هو یشیر إلی قلة المسلمین:

- ما هم إلا أكلة رأس لو بعثنا الیهم عبیدنا لأخذوهم بالید.

تساءل عتبة بن ربیعة:

- ربما كان لهم كمین أو مدد.

- كلا یا صاحبی لقد بعثت «ابن وهب» وطاف حول مواقعهم فلم یرَ شیئاً.

قال شیبة معقباً:

- لكنه قال شیئاً آخر غیر هذا.

امتعض أبوجهل، فتساءل عتبة:


- وماذا قال؟

- جاء مبهور الأنفاس و نثر كلماته كالنبل: ما رأیت شیئاً ولكنی وجدت یا معشر قریش البلایا تحمل المنایا... نواضح یثرب تحمل الموت الناقع.

أطرق عتبة. كان یفكّر فی المصیر... ألقی أبوجهل نظرة حانقة و بصق علی الأرض ثم غادر المكان.

ارتقی عتبة جمله الأحمر و قد دوّت فكرة العودة إلی مكة فی رأسه و أصغت عشرات الرجال إلی ما یقول صاحب الجمل الأحمر:

- یا معشر قریش! لن تصنعوا شیئاً بلقاء محمّد وأصحابه. و بین أصحابه رجال من بنی عمومتكم أو أخوالكم.. و هل یقتل المرء ابن عمه أو ابن خاله أو رجلاً من عشیرته.. ارجعوا و خلّوا بین محمد و سائر العرب..

یا معشر قریش أطیعونی الیوم واعصونی الدهر، انّ محمداً له إلُّ و ذمة.. فان یكن صادقاً فأنتم أعلی عیناً به، و ان یكن كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره.

جحظت عینا «أبی جهل» و خرجت الكلمات من فمه ممزوجة بالبصاق:

- انظروا ماذا یفعل الجبن فی النفوس... انظروا إلی سید من


سادات قریش و هو یرتعد من سیوف یثرب.

وفی أدنی الوادی كان الرسول یراقب عن كثب ما یجری فی أقصی الوادی... هناك علی جمل أحمر رجل یحذر قومه سوء العواقب.

تمتم النبی بلهجة یشوبها الیأس:

- إن یكن فی أحدهم خیر ففی صاحب الجمل الأحمر.

اتصلت السماء بالأرض وهبط جبریل كوكب الأرض فی تلك البقعة من دنیا اللَّه... و سرت كلمات السماء فی قلب محمد:«فإن جنحوا للسلم فاجنح لها».

هتف النبی و جبینه یتلألأ:

- یا معشر قریش! ارجعوا من حیث أتیتم فلأن یلی هذا الأمر منی غیركم أحبُّ إلیّ من أن تلوه أنتم.

تمتم عتبة و هو یصغی إلی ابن مكة الذی فرّ منذ عامین:

- ماردّ هذا قوم ثم افلحوا.

تجمعت فی السماء النذر، و بدت السیوف بروقاً مخزونة بالرعود، نزل عتبة عن جمله الأحمر، و تقدم مع أخیه شیبة وابنه الولید إلی الأرض التی تفصل ما بین الجبهتین و نادی عتبة بصوت غاضب و كان أبوجهل قد استفزّه:


- یا محمد أخرج الینا أكفاءنا من قریش:

التفت النبیّ إلی عبیدة.

- قم یا عبیدة بن الحارث.

و إلی حمزة بن عبدالمطلب و إلی علی بن أبی طالب.

كانت رایة «العقاب» تخفق فی قبضة علیّ فركزها فی الأرض ثم انطلق إلی میدان الصراع... و تراءی امام عینیه طیف جمیل. كان وجه «فاطمة» یبتسم له وقد شعّ من عینیها نورٌ سماویُّ.

ران الصمت علی الجبهتین، ما خلا ستة سیوف كانت تلمع وسط الغبار كبروق غاضبة، فجأة ارتفع السیف «ذوالفقار» ثم هوی فهوت معه جمجمة الولید، ثم ارتفع مرة اُخری لیهوی علی عتبة ثم علی شیبة و تساقطت رؤوس الشرك... تعفّرت بالرمال و كانت العیون جاحظة تنظر برعب إلی شی ء ما.

كبر النبی و كبر معه المسلمون و انتقل اسم علیّ علی الألسن فی الفضاء... وفی التاریخ...

وسمع النبی یقول:

- والذی نفس محمّد بیده لا یقاتلهم الیوم رجل صابراً محتسباً مقبلاً غیر مدبر إلّا أدخله اللَّه الجنة.

و تراءت للذین سمعوا كلمات الرسول جنّات تجری من تحتها


الأنهار... فإذا السیوف ظلال لجنّة عرضها السماوات و الأرض.

كان سقوط صنادید قریش صرعی فوق الرمال إیذاناً ببدء معركة رهیبة. و بدأت قریش هجوماً عنیفاً و تساقطت السهام و النبال كالمطر...

وقف المسلمون صفّاً واحداً كالبنیان المرصوص، وصمدوا أمام هجمات مدمّرة كعاصفة هوجاء... تصاعد غبار كثیف و تساقط القتلی والجرحی كجراد منتشر. و شیئاً فشیئاً خفّت حدّة الهجوم... وفی هذه اللحظة الحاسمة دوت كلمة القائد العظیم مختصرة و مصیریة:

- شدوا.

اندفع المسلمون كالسیل و كانت رایة العقاب تخفق فی قبضة علی قویة ثابتة؛ و اختلطت أصوات عدیدة بین صهیل الخیل ورغاء الجمال وقعقعة الأسلحة وصیحات الرجال و كانت:«أحَد... أحَد» تتردد فی فضاء المعركة.

و تفجّر غضب مقدس فی القلوب و قد رأی المعذبون جلّادیهم... و غادر النبی مقر القیادة و بقی أبوبكر وحیداً. اندفع النبی یقاتل فی الخطوط الاُولی و ظهرت فی الاُفق سحب بیضاء شفافة... تشبه أجنحة الملائكة و كان النبیّ یهتف بحماس:

- سیهزم الجمع و یولّون الدبر، بل الساعة موعدهم والساعة


أدهی وأمرّ...

استمر القتال مریراً... واقتربت المعركة من نهایتها بعد ان تمزّقت خطوط المشركین ولاحت فی الاُفق هزیمة و شیكة.

هتف النبی غاضباً و هو یقذف حفنة من الحصی:

- شاهت الوجوه!

انفجرت ساعة الانتقام وقذف بركان الثأر حممه مدوّیة وهتف بلال وهو یرمق جلّاده بغضب:

- اُمیّة! رأس الكفر لانجوت إن نجا... حاول بعض المسلمین اعتراض بلال. أرادوا عدوّهم أسیراً فصاح بلال:

- یا أنصار اللَّه.. إنّه اُمیة رأس الكفر... لانجوت ان نجا...

انقض بلال علی جلّاده فهوی كأنما سقط من شاهق... ولأوّل مرّة تنفّس بلال الصعداء وانزاحت عن صدره صخرة قاسیة كانت تجثم فوق اضلاعه فدمعت عیناه وراح ینظر إلی السماء فی امتنان.

حاول أبوجهل فی عناد قدیم أن یمنع هزیمة «قریش» و كان یقاتل خلف سیاج من رماح رجاله وفی مقدمتهم ابنه عكرمة... ولكن أنّی لهؤلاء الحفنة من الحمقی الوقوف بوجه ریاح النصر وهی تعصف بعنف من أدنی الوادی... اقتربت هتافات: أحَد.. أحَد... و ماهی إلَّا لحظات حتی هوی أبوجهل وارتطم رأسه بالأرض.


وضع عبداللَّه بن مسعود قدمه علی عنق أبی جهل الذی رمقه متسائلاً:

- لمن الدائرة؟

- للَّه ولرسوله وللمؤمنین.

كانت قدم ابن مسعود تدقّ عنق أبی جهل،فتمتم حانقاً:

- لقد ارتقیت مرتقی صعباً یا رویعی الغنم.

حاول أن یبصق كعادته فسقط البصاق فوق وجهه وجحظت عیناه. كان هو الآخر ینظر برعب إلی شی ء ما.